رئيس الوزراء العراقي الأسبق يؤكد لـ’العرب اللندنية’ أن العراق يحتاج إلى حكومة إنقاذ على غرار حكومة ميقاتي في لبنان
يرى رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي أن الطرفين السنة والشيعة أوصلا العراق إلى وضع خطير من الفشل السياسي والتدني الأمني والاجتماعي، محذّرا من أن استمرار النهج الطائفي سيقضي على الطرفين، وسيؤدّي إلى وضع أشدّ سوءا من الوضع الراهن، لو لم يتمّ اتخاذ خطوات إصلاحية جريئة قوامها المصالحة وإشراك الجميع في السلطة ومحاسبة المفسدين والقطع مع تسييس الدين.
العرب/إبراهيم صالح
بغداد – اعتبر زعيم ائتلاف الوطنية رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي، أن خروج العراق من أزمته الراهنة مرتبط بتشكيل حكومة إنقاذ وطني تقود إلى مرحلة انتقالية من دون التأثير على حربه ضد تنظيم الدولة الإسلامية، مبينا أن هذه الخطوة تم تطبيقها في لبنان بعد اغتيال رئيس وزرائه الأسبق رفيق الحريري، وقاد حكومة الإنقاذ بعده نجيب ميقاتي الذي لم يرشح في الانتخابات التي مهّدت لها الحكومة وقتها.
يقول علاوي، لـ”العرب”، إن كل الدول التي تمر بمراحل مفصلية في تاريخها ومسارها بالتأكيد تشهد تغيّرا في الحكومات. والمفروض أن تكون الحكومة التي تأتي عقب حصول الأزمة قادرة على مجابهتها. وفي ما يتعلّق بالعراق، يتطلّب الوضع الخطير الذي تعيشه البلاد في الوقت الراهن، حكومة قادرة أن تقوم بمهمتين رئيستين:
– تحقيق الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية وتعبئة المجتمع العراقي وتغيير المناخات السياسية لتكون طاردة للإرهاب من خلال المصالحة الوطنية الحقيقية ومعالجة مسائل النازحين والعمل على إدامة النصر ضدّ تنظيم داعش.
– تغيير قانون الانتخابات وسن قانون آخر نزيه وتغيير مفوضية الانتخابات واستبدال امتداداتها والإتيان بقضاة وأكاديميين وموظّفين مستقلين للإشراف على انتخابات عامة وهذه مهمة حكومة الإنقاذ التي ندعو إليها.
ويضيف علاوي أن هذه الحكومة يجب أن تكون مقيّدة بشروط، على غرار النموذج اللبناني، فبعد اغتيال رفيق الحريري جاء نجيب ميقاتي إلى الوزارة بشرط أن لا يرشح في الانتخابات ولم يرشح إلا في الدورة التي بعدها؛ وبالنسبة للنموذج العراقي يجب أن تكون الحكومة محددة العمر ولها سقف زمني لا يتجاوز سنتين ولا تشارك في أي انتخابات مقبلة.
وشدّد على أن هذه الحكومة ستكون “لوضع العراق على طريق المعافاة لا أن تعافيه؛ فعندما يوضع على الطريق الصحيح وقتها ستكون بقية التفصيلات ممكنة التحقق”.
واستبعد علاوي، الذي شغل منصب نائب رئيس الجمهورية بعد الانتخابات الأخيرة التي أجريت في العراق عام 2014، حدوث خلاف حول من يرأس الحكومة لكونها ستكون بعيدة عن الضغوط، مضيفا أن “هنالك استجابة محدودة من الرئيس فؤاد معصوم وبعض القادة في العراق مقابل إصرار الأغلبية على إبقاء الأمور على وضعها الحالي”.
ويشخّص علاوي مشكلة العملية السياسية في العراق بأنها تتمثل في “بنيتها المليئة بالأخطاء” والتي أوصلت الأوضاع إلى ما هي عليه اليوم. ويرى أن “القوى السياسية إذا كانت غير قادرة على الالتزام بعهودها؛ وتريد للعراق أن يستمر في الوضع الدموي الذي يعيشه الآن، فإن ذلك يعني أن العملية السياسية برمتها تحتاج إلى التغيير الذي سيكون من قبل الشعب، ومثلما تصاعدت الدعوات خلال المظاهرات السلمية لتغيير الأوضاع، سيكون التصدي للعملية السياسية”.
شروط الإصلاح السياسي*المصالحة تأتي في مقدمة ما يجب ضرب المرتكزات الإرهابية بها
*الخروج من المحاصصة الطائفية وبإجراءات عملية
*إلغاء قوانين كالاجتثاث المسيس ومكافحة الإرهاب والعفو ومعالجة النازحين
ويحذّر زعيم ائتلاف الوطنية من انتفاضة شعبية مسلحة في حال لم تلتزم الكتل السياسية بالخروج من المحاصصة الطائفية السياسية؛ ففي تقديره “في حال عدم التزام الكتل السياسية بما يريده الشعب فإن هذا الأخير سيلجأ إلى انتفاضة مسلحة لأنه وصل إلى مستويات غضب خطيرة جدا. وفي قناعات العراقيين وفي رأيهم، بات استعمال كلمة سني أو شيعي أمرا مرفوضا”.
ويضيف علاوي “الشعب يريد التخلص من تسييس الدين”، مبينا أن العملية السياسية “لم تعد قادرة على التعبير عن تطلعات وطموحات العراقيين بسبب بنيتها”.
جبهة شعبية للإصلاح
يؤكد زعيم حركة الوفاق، الذي شاركت حركته بصورة رئيسة في اعتصام النواب، (في شهر أبريل الماضي)، أن النواب المعتصمين يتوجهون إلى تشكيل جبهة شعبية للإصلاح، يقول عنها إنها “ستكون جبهة شعبية واسعة من القوى السياسية والاتحادات والنقابات للتكامل ودعم جبهة الإصلاح في المجلس النيابي ولنقل المسألة إلى القوى الشعبية الحقيقية صاحبة المصلحة الحقيقية في بناء العراق بنظام سليم”.
ويضيف إياد علاوي “نوابنا يتحركون برمزية عالية وبطرح واضح؛ ونأمل أن تحقق هذه الصحوة طموحات العراقيين بإتيان قوى نزيهة غير فاسدة تقدم الخدمات للشعب؛ ضمن عملية سياسية تقوم على أساس مصالحة وطنية مع الجميع، ويكون فيها القضاء هو الفيصل، وضمن نظام ودولة المواطنة التي يتساوى فيها الجميع”.
وأي خطوة في طريق إصلاح البنية العملية السياسية، وفق علاوي، لن تجدي نفعا إلا “إذا خرجت العملية السياسية من إطارها الطائفي واحتضنت الشعب العراقي بكل شرائحه ورافقتها انتخابات نزيهة دون محاصصة ومفوضيات محسوبة عليها والتزام بالدستور مع تعديل بعض مواده ليكون شاملا لكل الشعب العراقي”.
ويضيف السياسي العراقي في سياق الحديث عن الإصلاح أنه تجب محاسبة المسؤولين في الحكومات على سرقة المال العام وارتكاب الجرائم؛ واقترح إياد علاوي، في هذا السياق، تطبيق “التدقيق الجنائي” المتبع في دول كثيرة، على أن “يكون بأثر رجعي من 2003 وحتى اليوم”.
ويقول إنه “قدم المقترح لرئيس الوزراء حيدر العبادي في مذكرة رسمية العام الماضي”، مبيّنا “هنالك شركات عالمية تقوم بهذا الجهد لكشف الأموال وأين ذهبت وتعرض النتائج على الحكومة ومجلس النواب، وهذا كان ليخرج بالعراق من الأزمة المالية. وقد وقع على المقترح 90 نائبا لكن لم يتجاوب أحد مع المقترح”. ويضيف “لجان النزاهة مخترقة والمفتشون العامون في الوزارات كذلك، لذلك حاولنا، لكن لم يستمع أحد لنا”.
ورغم تقارب ائتلاف الوطنية الذي يترأسه إياد علاوي، وائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في مشروع جبهة الإصلاح، فإن علاوي يؤكد أن الاختلاف الجوهري بين الطرفين لا يزال قائما غير أن التقارب هو لهدف إصلاحي.
ويوضّح “التقارب مع المالكي ليس تقاربا بأتم معنى الكلمة، فمثلا أنا أقرب إلى العبادي لكن أختلف مع سلوكه ونهجه؛ ومع ذلك إذا كانت هنالك رؤية مشتركة مع جهة ما لمعالجة وضع شاذ في مجلس النواب فهذا لا يعني أنني متقارب معها. ويجب أن نميّز بين موقف وآخر”.
ويضيف “هناك اختلاف جوهري مع المالكي باعتباره دخل في إطار طائفي سياسي ونحن في إطار وطني. كما أن هناك اختلافا جوهريا في البرامج التي يقدمها الطرفان وهذا الاختلاف موجود حتى مع حزب الدعوة لكننا غير معنيين بما يدور داخل الكتل الأخرى لأن هدفنا واضح، وهو البقاء مع الشعب العراقي والدليل أننا دعمنا التظاهرات منذ 2011”.
ويوضح أن ائتلافه “يتحالف مع كل من هو مستعد للتصويت على ضرورة الإصلاح وتغيير النهج والانطلاق إلى الأمام. والإصلاحات لن تقتصر على مجموعة فحتى الذين لدينا تحفظ عليهم مرحب بهم، وهذا لا يعني وجود تطابق في المناهج”.
حكومة الظرف المغلق
يبدي زعيم ائتلاف الوطنية انتقاده لحكومة “الظرف المغلق” التي قدمها رئيس الوزراء حيدر العبادي، مبينا أن “الديمقراطية لا تأتي بظرف مغلق أو باستبدال الوجوه”. ويرى أن “القرار السياسي ليس بيد الكتل السياسية العراقية، بل القرارات الإقليمية والدولية هي المتحكمة به والعملية السياسية باتت تقوم على الطائفية السياسية التي وصلت إلى حد غير مقبول وغير معقول فضلا عن الفساد”.
ويضيف “لم يكن أحد يعرف من هم أعضاء اللجنة السرية التي اختارت الوزراء. وقد أبلغني العبادي أنهم يخشون الكشف عن أسمائهم باستثناء مهدي الحافظ، فسألته وهل توجد لجنة سرية تختار وزراء في عملية ديمقراطية؟”.
ويتابع علاوي “لا مفر من احترام القوى السياسية إذا احترمت نفسها واتبعت الطريق الصحيح وتخلصت من الرواسب الطائفية؛ لكن ما نراه اليوم هو أن هذه القوى مازالت تعيش بإفرازات متعبة للوضع العراقي”.
وعن المبادرات السياسية لحل الأزمة، والتي يدعو الكثير منها إلى إيجاد كتلة عابرة للطائفية، يرى علاوي أن “الكل يتكلم عن مشاريع عابرة للطائفية ونحن أول من دعونا إلى هذا وكنا نرفض ذكر كلمتي سني وشيعي، وهي مشاريع جيدة لكن من يصحو متأخرا لديه مصلحة معينة وإلا لماذا لم يعمل على ذلك من قبل”.
ويحذر علاوي “البيت الشيعي” و”البيت السني” من خطورة الاستمرار بالطائفية السياسية التي أوصلت البلد إلى ما هو عليه، مبينا أنها “ستقضي على الطرفين”.
مصالحة وطنية غائبة
يرى إياد علاوي، الذي أشرف على ملف المصالحة الوطنية في العراق بعد شغله منصب نائب رئيس الجمهورية قبل سنتين، أن “هنالك ضرورة لإصدار عفو حتى على من رفع السلاح، بشرط يكون رفعه ضد أعداء الشعب العراقي وضد تنظيم داعش. ويثبت ذلك لأننا في حالة حرب والجرأة أن تعفو بما يحقق مصلحة الشعب. والأهم أن جزءا من هؤلاء المسلحين يساند داعش، والعفو سيجعلهم ضده”.
ويضيف علاوي، الذي كان عضوا في حزب البعث العربي الاشتراكي في الستينات والسبعينات، قبل أن يغادر العراق إلى لبنان ثم لندن، وينضم إلى صفوف المعارضة العراقية، أنه “من غير المعقول بعد 14 سنة من الدم المستمر، والإقصاء المستمر، والتهميش ، لا تزال عملية اجتثاث البعث مستمرّة”.
ويجدّد علاوي الحديث عن المصالحة التي يرى أنها تأتي في مقدمة ما يجب ضرب المرتكزات الإرهابية بها. ويحدّد لهذه المصالحة المطلوبة مسارين، المسار الأول يفرض الخروج من المحاصصة الطائفية وبإجراءات عملية. ويتمثّل المسار الثاني في إلغاء قوانين كالاجتثاث المسيّس ومكافحة الإرهاب والعفو ومعالجة النازحين. لكن، “الحكومة لا تريد تطبيق رؤيتنا للمصالحة”، وفق علاوي.
بين أميركا وإيران
لم يحظ إياد علاوي، زعيم ائتلاف القائمة العراقية التي فازت في انتخابات 2010، برئاسة الحكومة العراقية بسبب وضع طهران خطا أحمر عليه، كما يؤكد. ويشير إلى أن الموقف الإيراني السابق يدل على “هيمنتها على القرار السياسي في العراق”، غير أنه يستطرد قائلا إن “العلاقات مع إيران تتحسن بصورة بطيئة جدا”.
ويوضح أن “النفوذ الأجنبي مرفوض من حيث ما أتى؛ لكن أيضا القول إن هناك قرارا سياديا كاملا ومطلقا، أمر صعب تحقيقه، وبالتالي يجب أن نجعل في تفكيرنا رفض الهيمنة المباشرة شيء والتوافق مع العالم شيء آخر”.
ويقول علاوي “ما تعلمناه هو تحميل غيرنا مسؤولية مشاكلنا وأن نلقي باللائمة على أميركا وإيران وغيرهما، لكن المشكلة فينا نحن قبل كل شيء”، مستشهدا بأن القوى السياسية “عندما رفضت اقتراح أميركا تشكيل وزارة إبان فترة مجلس الحكم انصاعت لها”.
ويؤكد علاوي “وجود تحفظات كثيرة على سياسات أميركا في العراق”، لكنه في الوقت نفسه يشيد بدورها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. ويقول “علينا الاعتراف أنه لولا حرب الولايات المتحدة ضد داعش لكان التنظيم هنا في بغداد ونحن نشكر كل الدول التي تقف معنا في حربنا ضد داعش”.
لا يرى رئيس الوزراء الأسبق أن اقترابه من رئاسة الحكومة في العراق مرة ثانية بعرض من التحالف الوطني العراقي (الشيعي) في العام 2005 كان فرصة تاريخية له، مبينا أن الأوضاع وقتها كانت تسير باتجاهات طائفية خطيرة.
ويقول علاوي “الأفضل لي أنني لم اشترك لأنني لم أرد أن أتحمل مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع في العراق فالأمور سارت باتجاهات طائفية، كلا الطرفين السنة والشيعة أوصلا البلد إلى ما هو عليه”.
ويضيف “عبدالعزيز الحكيم (رجل دين وسياسي عراقي) طلب أن نكون كتلة شيعية وبعد حوار معه أبلغني أن المرجعية تثمن جهودي لأكون رئيس وزراء العراق لكني رفضت. وكان يعرض عليّ أن أدخل في تحالف طائفي وأزور دول معينة وأقدم فروض الطاعة لكن هذا ليس من سياستنا. ولو كنت أتطلع إلى منصب حكومي لبقيت في حزب البعث”.
ويوضح أن أسباب رفضه “كانت بسبب أن الصورة كانت واضحة أمامي بأن العراق يسير في طريق أسود”. ويكشف علاوي أنه اقترح على زعماء عراقيين الدخول في انتخابات 2005 بقائمة وطنية تضم قوى المعارضة بمختلف انتماءاتها غير أنهم انسحبوا بعد اصطدامهم بتمسك بعض قادة السنة والشيعة بالنهج الطائفي.
العلاقة مع الأكراد
يحمّل زعيم الوطنية إياد علاوي مسؤولية الخلافات بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل، لحكومة المركز، مبينا أن مطالب الأكراد تتلخص بتشريع قوانين محددة نص عليها الدستور العراقي.
ويقول “الحكومات العراقية بعد 2003 تقدمت كثيرا على حزب البعث في العلاقة مع الأكراد لكن يجب أن يكون هنالك تعامل جيد مع مطالبهم التي كانت محدودة جدا وهي دستورية كقانون النفط والغاز وتوزيع الموارد المالية في البلد والمجلس الاتحادي”.
ويؤكد علاوي أن “تشريع هذه القوانين سيجعل المشاكل بين الطرفين تتراجع وسيكون ممكنا التحوار لإيجاد حلول للمشاكل العالقة بينهما”. ويرى أن الأكراد ملتزمون ببقائهم ضمن العراق وأنهم كانوا مستقلين عمليا منذ سبعينات القرن الماضي، ما يوجب على المركز التعامل بإيجابية أكبر معهم.
ويحيل الحديث عن الأكراد إلى استحضار اتفاقية سايكس بيكو، التي أتمت في 16 مايو قرنها الأول، وتتهم بأنها سبب مشاكل هذه المنطقة. ولا تزال المعاهدة، التي رسمت حدود الشرق الأوسط الحديث، محلّ انتقادات منذ توقيعها سنة 1916.
وقد تجدّد الحديث بشأنها في ظلّ ما يشهده العراق، والمنطقة، اليوم من صراعات وحروب وحديث عن تقسيمات جديدة قد تغير من ملامح الحدود الجغرافية التي رسمها اتفاق سايكس بيكو.
لكن، لا يعتقد رئيس الوزراء العراقي الأسبق أن مرور مئة عام على معاهدة سايكس بيكو تعني بالضرورة بدء مرحلة جديدة، مبينا أن التوقيت غير مناسب لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط وأن هذا الأمر سيؤدي إلى إراقة المزيد من الدماء في المنطقة. وفي ما يتعلق بالعراق، يؤكد علاوي أن “تقسيم العراق بيد أهله، فإذا أرادوا التقسيم سيقسم، وإذا لم يريدوا ذلك فلن يتم هذا الأمر”.
العرب/إبراهيم صالح
بغداد – اعتبر زعيم ائتلاف الوطنية رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي، أن خروج العراق من أزمته الراهنة مرتبط بتشكيل حكومة إنقاذ وطني تقود إلى مرحلة انتقالية من دون التأثير على حربه ضد تنظيم الدولة الإسلامية، مبينا أن هذه الخطوة تم تطبيقها في لبنان بعد اغتيال رئيس وزرائه الأسبق رفيق الحريري، وقاد حكومة الإنقاذ بعده نجيب ميقاتي الذي لم يرشح في الانتخابات التي مهّدت لها الحكومة وقتها.
يقول علاوي، لـ”العرب”، إن كل الدول التي تمر بمراحل مفصلية في تاريخها ومسارها بالتأكيد تشهد تغيّرا في الحكومات. والمفروض أن تكون الحكومة التي تأتي عقب حصول الأزمة قادرة على مجابهتها. وفي ما يتعلّق بالعراق، يتطلّب الوضع الخطير الذي تعيشه البلاد في الوقت الراهن، حكومة قادرة أن تقوم بمهمتين رئيستين:
– تحقيق الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية وتعبئة المجتمع العراقي وتغيير المناخات السياسية لتكون طاردة للإرهاب من خلال المصالحة الوطنية الحقيقية ومعالجة مسائل النازحين والعمل على إدامة النصر ضدّ تنظيم داعش.
– تغيير قانون الانتخابات وسن قانون آخر نزيه وتغيير مفوضية الانتخابات واستبدال امتداداتها والإتيان بقضاة وأكاديميين وموظّفين مستقلين للإشراف على انتخابات عامة وهذه مهمة حكومة الإنقاذ التي ندعو إليها.
ويضيف علاوي أن هذه الحكومة يجب أن تكون مقيّدة بشروط، على غرار النموذج اللبناني، فبعد اغتيال رفيق الحريري جاء نجيب ميقاتي إلى الوزارة بشرط أن لا يرشح في الانتخابات ولم يرشح إلا في الدورة التي بعدها؛ وبالنسبة للنموذج العراقي يجب أن تكون الحكومة محددة العمر ولها سقف زمني لا يتجاوز سنتين ولا تشارك في أي انتخابات مقبلة.
وشدّد على أن هذه الحكومة ستكون “لوضع العراق على طريق المعافاة لا أن تعافيه؛ فعندما يوضع على الطريق الصحيح وقتها ستكون بقية التفصيلات ممكنة التحقق”.
واستبعد علاوي، الذي شغل منصب نائب رئيس الجمهورية بعد الانتخابات الأخيرة التي أجريت في العراق عام 2014، حدوث خلاف حول من يرأس الحكومة لكونها ستكون بعيدة عن الضغوط، مضيفا أن “هنالك استجابة محدودة من الرئيس فؤاد معصوم وبعض القادة في العراق مقابل إصرار الأغلبية على إبقاء الأمور على وضعها الحالي”.
ويشخّص علاوي مشكلة العملية السياسية في العراق بأنها تتمثل في “بنيتها المليئة بالأخطاء” والتي أوصلت الأوضاع إلى ما هي عليه اليوم. ويرى أن “القوى السياسية إذا كانت غير قادرة على الالتزام بعهودها؛ وتريد للعراق أن يستمر في الوضع الدموي الذي يعيشه الآن، فإن ذلك يعني أن العملية السياسية برمتها تحتاج إلى التغيير الذي سيكون من قبل الشعب، ومثلما تصاعدت الدعوات خلال المظاهرات السلمية لتغيير الأوضاع، سيكون التصدي للعملية السياسية”.
شروط الإصلاح السياسي*المصالحة تأتي في مقدمة ما يجب ضرب المرتكزات الإرهابية بها
*الخروج من المحاصصة الطائفية وبإجراءات عملية
*إلغاء قوانين كالاجتثاث المسيس ومكافحة الإرهاب والعفو ومعالجة النازحين
ويحذّر زعيم ائتلاف الوطنية من انتفاضة شعبية مسلحة في حال لم تلتزم الكتل السياسية بالخروج من المحاصصة الطائفية السياسية؛ ففي تقديره “في حال عدم التزام الكتل السياسية بما يريده الشعب فإن هذا الأخير سيلجأ إلى انتفاضة مسلحة لأنه وصل إلى مستويات غضب خطيرة جدا. وفي قناعات العراقيين وفي رأيهم، بات استعمال كلمة سني أو شيعي أمرا مرفوضا”.
ويضيف علاوي “الشعب يريد التخلص من تسييس الدين”، مبينا أن العملية السياسية “لم تعد قادرة على التعبير عن تطلعات وطموحات العراقيين بسبب بنيتها”.
جبهة شعبية للإصلاح
يؤكد زعيم حركة الوفاق، الذي شاركت حركته بصورة رئيسة في اعتصام النواب، (في شهر أبريل الماضي)، أن النواب المعتصمين يتوجهون إلى تشكيل جبهة شعبية للإصلاح، يقول عنها إنها “ستكون جبهة شعبية واسعة من القوى السياسية والاتحادات والنقابات للتكامل ودعم جبهة الإصلاح في المجلس النيابي ولنقل المسألة إلى القوى الشعبية الحقيقية صاحبة المصلحة الحقيقية في بناء العراق بنظام سليم”.
ويضيف إياد علاوي “نوابنا يتحركون برمزية عالية وبطرح واضح؛ ونأمل أن تحقق هذه الصحوة طموحات العراقيين بإتيان قوى نزيهة غير فاسدة تقدم الخدمات للشعب؛ ضمن عملية سياسية تقوم على أساس مصالحة وطنية مع الجميع، ويكون فيها القضاء هو الفيصل، وضمن نظام ودولة المواطنة التي يتساوى فيها الجميع”.
وأي خطوة في طريق إصلاح البنية العملية السياسية، وفق علاوي، لن تجدي نفعا إلا “إذا خرجت العملية السياسية من إطارها الطائفي واحتضنت الشعب العراقي بكل شرائحه ورافقتها انتخابات نزيهة دون محاصصة ومفوضيات محسوبة عليها والتزام بالدستور مع تعديل بعض مواده ليكون شاملا لكل الشعب العراقي”.
ويضيف السياسي العراقي في سياق الحديث عن الإصلاح أنه تجب محاسبة المسؤولين في الحكومات على سرقة المال العام وارتكاب الجرائم؛ واقترح إياد علاوي، في هذا السياق، تطبيق “التدقيق الجنائي” المتبع في دول كثيرة، على أن “يكون بأثر رجعي من 2003 وحتى اليوم”.
ويقول إنه “قدم المقترح لرئيس الوزراء حيدر العبادي في مذكرة رسمية العام الماضي”، مبيّنا “هنالك شركات عالمية تقوم بهذا الجهد لكشف الأموال وأين ذهبت وتعرض النتائج على الحكومة ومجلس النواب، وهذا كان ليخرج بالعراق من الأزمة المالية. وقد وقع على المقترح 90 نائبا لكن لم يتجاوب أحد مع المقترح”. ويضيف “لجان النزاهة مخترقة والمفتشون العامون في الوزارات كذلك، لذلك حاولنا، لكن لم يستمع أحد لنا”.
ورغم تقارب ائتلاف الوطنية الذي يترأسه إياد علاوي، وائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في مشروع جبهة الإصلاح، فإن علاوي يؤكد أن الاختلاف الجوهري بين الطرفين لا يزال قائما غير أن التقارب هو لهدف إصلاحي.
ويوضّح “التقارب مع المالكي ليس تقاربا بأتم معنى الكلمة، فمثلا أنا أقرب إلى العبادي لكن أختلف مع سلوكه ونهجه؛ ومع ذلك إذا كانت هنالك رؤية مشتركة مع جهة ما لمعالجة وضع شاذ في مجلس النواب فهذا لا يعني أنني متقارب معها. ويجب أن نميّز بين موقف وآخر”.
ويضيف “هناك اختلاف جوهري مع المالكي باعتباره دخل في إطار طائفي سياسي ونحن في إطار وطني. كما أن هناك اختلافا جوهريا في البرامج التي يقدمها الطرفان وهذا الاختلاف موجود حتى مع حزب الدعوة لكننا غير معنيين بما يدور داخل الكتل الأخرى لأن هدفنا واضح، وهو البقاء مع الشعب العراقي والدليل أننا دعمنا التظاهرات منذ 2011”.
ويوضح أن ائتلافه “يتحالف مع كل من هو مستعد للتصويت على ضرورة الإصلاح وتغيير النهج والانطلاق إلى الأمام. والإصلاحات لن تقتصر على مجموعة فحتى الذين لدينا تحفظ عليهم مرحب بهم، وهذا لا يعني وجود تطابق في المناهج”.
حكومة الظرف المغلق
يبدي زعيم ائتلاف الوطنية انتقاده لحكومة “الظرف المغلق” التي قدمها رئيس الوزراء حيدر العبادي، مبينا أن “الديمقراطية لا تأتي بظرف مغلق أو باستبدال الوجوه”. ويرى أن “القرار السياسي ليس بيد الكتل السياسية العراقية، بل القرارات الإقليمية والدولية هي المتحكمة به والعملية السياسية باتت تقوم على الطائفية السياسية التي وصلت إلى حد غير مقبول وغير معقول فضلا عن الفساد”.
ويضيف “لم يكن أحد يعرف من هم أعضاء اللجنة السرية التي اختارت الوزراء. وقد أبلغني العبادي أنهم يخشون الكشف عن أسمائهم باستثناء مهدي الحافظ، فسألته وهل توجد لجنة سرية تختار وزراء في عملية ديمقراطية؟”.
ويتابع علاوي “لا مفر من احترام القوى السياسية إذا احترمت نفسها واتبعت الطريق الصحيح وتخلصت من الرواسب الطائفية؛ لكن ما نراه اليوم هو أن هذه القوى مازالت تعيش بإفرازات متعبة للوضع العراقي”.
وعن المبادرات السياسية لحل الأزمة، والتي يدعو الكثير منها إلى إيجاد كتلة عابرة للطائفية، يرى علاوي أن “الكل يتكلم عن مشاريع عابرة للطائفية ونحن أول من دعونا إلى هذا وكنا نرفض ذكر كلمتي سني وشيعي، وهي مشاريع جيدة لكن من يصحو متأخرا لديه مصلحة معينة وإلا لماذا لم يعمل على ذلك من قبل”.
ويحذر علاوي “البيت الشيعي” و”البيت السني” من خطورة الاستمرار بالطائفية السياسية التي أوصلت البلد إلى ما هو عليه، مبينا أنها “ستقضي على الطرفين”.
مصالحة وطنية غائبة
يرى إياد علاوي، الذي أشرف على ملف المصالحة الوطنية في العراق بعد شغله منصب نائب رئيس الجمهورية قبل سنتين، أن “هنالك ضرورة لإصدار عفو حتى على من رفع السلاح، بشرط يكون رفعه ضد أعداء الشعب العراقي وضد تنظيم داعش. ويثبت ذلك لأننا في حالة حرب والجرأة أن تعفو بما يحقق مصلحة الشعب. والأهم أن جزءا من هؤلاء المسلحين يساند داعش، والعفو سيجعلهم ضده”.
ويضيف علاوي، الذي كان عضوا في حزب البعث العربي الاشتراكي في الستينات والسبعينات، قبل أن يغادر العراق إلى لبنان ثم لندن، وينضم إلى صفوف المعارضة العراقية، أنه “من غير المعقول بعد 14 سنة من الدم المستمر، والإقصاء المستمر، والتهميش ، لا تزال عملية اجتثاث البعث مستمرّة”.
ويجدّد علاوي الحديث عن المصالحة التي يرى أنها تأتي في مقدمة ما يجب ضرب المرتكزات الإرهابية بها. ويحدّد لهذه المصالحة المطلوبة مسارين، المسار الأول يفرض الخروج من المحاصصة الطائفية وبإجراءات عملية. ويتمثّل المسار الثاني في إلغاء قوانين كالاجتثاث المسيّس ومكافحة الإرهاب والعفو ومعالجة النازحين. لكن، “الحكومة لا تريد تطبيق رؤيتنا للمصالحة”، وفق علاوي.
بين أميركا وإيران
لم يحظ إياد علاوي، زعيم ائتلاف القائمة العراقية التي فازت في انتخابات 2010، برئاسة الحكومة العراقية بسبب وضع طهران خطا أحمر عليه، كما يؤكد. ويشير إلى أن الموقف الإيراني السابق يدل على “هيمنتها على القرار السياسي في العراق”، غير أنه يستطرد قائلا إن “العلاقات مع إيران تتحسن بصورة بطيئة جدا”.
ويوضح أن “النفوذ الأجنبي مرفوض من حيث ما أتى؛ لكن أيضا القول إن هناك قرارا سياديا كاملا ومطلقا، أمر صعب تحقيقه، وبالتالي يجب أن نجعل في تفكيرنا رفض الهيمنة المباشرة شيء والتوافق مع العالم شيء آخر”.
ويقول علاوي “ما تعلمناه هو تحميل غيرنا مسؤولية مشاكلنا وأن نلقي باللائمة على أميركا وإيران وغيرهما، لكن المشكلة فينا نحن قبل كل شيء”، مستشهدا بأن القوى السياسية “عندما رفضت اقتراح أميركا تشكيل وزارة إبان فترة مجلس الحكم انصاعت لها”.
ويؤكد علاوي “وجود تحفظات كثيرة على سياسات أميركا في العراق”، لكنه في الوقت نفسه يشيد بدورها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. ويقول “علينا الاعتراف أنه لولا حرب الولايات المتحدة ضد داعش لكان التنظيم هنا في بغداد ونحن نشكر كل الدول التي تقف معنا في حربنا ضد داعش”.
لا يرى رئيس الوزراء الأسبق أن اقترابه من رئاسة الحكومة في العراق مرة ثانية بعرض من التحالف الوطني العراقي (الشيعي) في العام 2005 كان فرصة تاريخية له، مبينا أن الأوضاع وقتها كانت تسير باتجاهات طائفية خطيرة.
ويقول علاوي “الأفضل لي أنني لم اشترك لأنني لم أرد أن أتحمل مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع في العراق فالأمور سارت باتجاهات طائفية، كلا الطرفين السنة والشيعة أوصلا البلد إلى ما هو عليه”.
ويضيف “عبدالعزيز الحكيم (رجل دين وسياسي عراقي) طلب أن نكون كتلة شيعية وبعد حوار معه أبلغني أن المرجعية تثمن جهودي لأكون رئيس وزراء العراق لكني رفضت. وكان يعرض عليّ أن أدخل في تحالف طائفي وأزور دول معينة وأقدم فروض الطاعة لكن هذا ليس من سياستنا. ولو كنت أتطلع إلى منصب حكومي لبقيت في حزب البعث”.
ويوضح أن أسباب رفضه “كانت بسبب أن الصورة كانت واضحة أمامي بأن العراق يسير في طريق أسود”. ويكشف علاوي أنه اقترح على زعماء عراقيين الدخول في انتخابات 2005 بقائمة وطنية تضم قوى المعارضة بمختلف انتماءاتها غير أنهم انسحبوا بعد اصطدامهم بتمسك بعض قادة السنة والشيعة بالنهج الطائفي.
العلاقة مع الأكراد
يحمّل زعيم الوطنية إياد علاوي مسؤولية الخلافات بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل، لحكومة المركز، مبينا أن مطالب الأكراد تتلخص بتشريع قوانين محددة نص عليها الدستور العراقي.
ويقول “الحكومات العراقية بعد 2003 تقدمت كثيرا على حزب البعث في العلاقة مع الأكراد لكن يجب أن يكون هنالك تعامل جيد مع مطالبهم التي كانت محدودة جدا وهي دستورية كقانون النفط والغاز وتوزيع الموارد المالية في البلد والمجلس الاتحادي”.
ويؤكد علاوي أن “تشريع هذه القوانين سيجعل المشاكل بين الطرفين تتراجع وسيكون ممكنا التحوار لإيجاد حلول للمشاكل العالقة بينهما”. ويرى أن الأكراد ملتزمون ببقائهم ضمن العراق وأنهم كانوا مستقلين عمليا منذ سبعينات القرن الماضي، ما يوجب على المركز التعامل بإيجابية أكبر معهم.
ويحيل الحديث عن الأكراد إلى استحضار اتفاقية سايكس بيكو، التي أتمت في 16 مايو قرنها الأول، وتتهم بأنها سبب مشاكل هذه المنطقة. ولا تزال المعاهدة، التي رسمت حدود الشرق الأوسط الحديث، محلّ انتقادات منذ توقيعها سنة 1916.
وقد تجدّد الحديث بشأنها في ظلّ ما يشهده العراق، والمنطقة، اليوم من صراعات وحروب وحديث عن تقسيمات جديدة قد تغير من ملامح الحدود الجغرافية التي رسمها اتفاق سايكس بيكو.
لكن، لا يعتقد رئيس الوزراء العراقي الأسبق أن مرور مئة عام على معاهدة سايكس بيكو تعني بالضرورة بدء مرحلة جديدة، مبينا أن التوقيت غير مناسب لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط وأن هذا الأمر سيؤدي إلى إراقة المزيد من الدماء في المنطقة. وفي ما يتعلق بالعراق، يؤكد علاوي أن “تقسيم العراق بيد أهله، فإذا أرادوا التقسيم سيقسم، وإذا لم يريدوا ذلك فلن يتم هذا الأمر”.